متحف الذاكرة في تعز: توثيق مآسي حصار المدينة بالألوان

متحف الذاكرة في تعز: توثيق مآسي حصار المدينة بالألوان

تعز – بديع سلطان

أحيت مدينة تعز، جنوبي غرب اليمن، خلال شهر سبتمبر الجاري، مآسي الحصار الذي ترزح تحته منذ عقد كامل. وكان ذلك من خلال فعالية “متحف الذاكرة”، الذي نظمته كيانات ومنظمات حقوقية، وجهات رسمية معنية بشؤون الحصار.

وتعاني مدينة تعز، منذ خريف عام 2015، حصارًا خانقًا من قبل جماعة الحوثي. تسبب بخلق معاناة إنسانية وكارثية، وحرمان من التنقل والحركة أو الحصول على أساسيات الحياة.

“متحف الذاكرة”، الذي استضافته باحات المتحف الوطني بتعز، سعى إلى إحياء ذاكرة الحصار الجماعية لأبناء المدينة. وتعزيز الوعي المجتمعي بما عانته المدينة من آلام الحصار. كما اعتبر المنظمون “متحف الذاكرة” نوعًا من أنواع “المقاومة الحية”، وجسرًا لتحقيق العدالة لأبناء تعز.

“لم يكن “متحف الذاكرة” فعاليةً عابرة، أو معرضًا فنيًا، بقدر ما مثّل أحد الآليات الفعلية التي ابتكرها المجتمع المحلي التعزي”. تقول الحقوقية، إشراق المقطري، عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان.

وتضيف المقطري خلال حديثها الخاص لـ”المشاهد”: المتحف يدوّن كافة أحداث وتفاصيل وآثار حصار تعز “الجائر”، والذي بدأ في أغسطس 2015. واستمر بقطع الطرق ومداخل المحافظة واستحداث معابر للتفتيش ومنع دخول المساعدات الإنسانية. كما تسبب الحصار بوفيات، وانعكس تأثيره على أوضاع المستشفيات، ومنع دخول الأدوية وعلاجات الأمراض المزمنة”.

وترى الحقوقية، إشراق المقطري، أن أهمية هذا المتحف، تنبع من كونه جزء من “تخليد الذاكرة”. وتأكيد أحقية هذه المدينة وضحايا الحصار وكل من سكن فيها برد الاعتبار. بالإضافة إلى حقهم بكشف وتدوين وتوثيق و”تأريخ” ما حدث ويحدث حتى اللحظة، من سرديات يومية وتأثيرات نتيجة الحصار.

ولفتت إلى أهمية تذكير الجيل الجديد بحقيقة الحصار، وكلفة النضال الذي دفعه أبناء تعز، صغارهم وكبارهم وكافة مكونات المحافظة. وأشارت المقطري إلى أن المتحف تذكير للعالم بكيفية مواجهة تعز للظلام وجماعة الحوثي، عبر المقاومة بـ”الصبر”، وخلق فرص الحياة. وصناعة الكثير من البدائل ومبادرات التآخي لكي لا تستلم للحصار.

المقطري تعتقد أن المتحف يعمل على التهيئة لمسألة “جبر الضرر” وتعويض هذه المدينة ورد الاعتبار والاعتذار إليها. وتابعت: “هذا النشاط السلمي المدني يوضح حقيقة هذه المدينة المدنية وخصوصيتها، كرافعة للفكر والحضارة، ودائمًا تبدع بخلق أفكار مدنية”.

إشراق المقطري: “متحف الذاكرة” يشكل تهيئة لمسألة جبر الضرر وتعويض مدينة تعز ورد الاعتبار لها والاعتذار إليها، وهو نشاط سلمي مدني يوضح حقيقة تعز كرافعة للفكر والحضارة، كما أنها فعالية قد تحدث ضغطًا حقيقيًا لرفع الحصار

وتمنت أن تؤثّر مثل هذا الأنشطة كـ”متحف الذاكرة” بإحداث ضغط حقيقي لرفع الحصار، إذا تم استثمار هذا النشاط. وتعريف البعثات الدبلوماسية والمهتمين بقصة وتفاصيل هذا الحصار وتجسيد الرسائل التي يبعثها المتحف.

من جانبه، يدلي المصور والفائز بالجائزة الأولى في “متحف الذاكرة”، رضوان الحاشدي، بدلوه حول المتحف. وأوضح في تصريح خاص لـ”المشاهد” أنه تلقى دعوةً للمشاركة بصوره وأعماله التي وثقها عن حصار تعز.

وقال: “حينها لم يكن مواطنو تعز يستطيعون الخروج أو الدخول من وإلى مدينتهم، أو حتى تمرير وإدخال الأدوية والغذاء والاحتياجات الضرورية”.

ويواصل: “لم يكن هناك منفذ لأهالي تعز، سوى “منفذ طالوق”، وهو جبل شديد الوعورة، غير مخصص لمرور السيارات. ويتم عبوره مشيًا أو عبر الحمير والجمال فقط”.

ويتذكر الحاشدي: “إحدى المرات كان بعض الأهالي ينقلون مريضًا لهم حملًا على النعش. وكانوا بعيدين عني؛ ونظرًا لوعورة المنطقة عجزت عن الوصول إليهم وتوثيق المشهد المؤلم”.

وزاد: “عانى الناس كثيرًا في تعز جراء الحصار. ولم يجد الأهالي بدًا من حمل حاجياتهم على ظهورهم. سواءً كانت موادًا غذائية، اسطوانات غاز، أدويةً، أو أكسجين في زمن الجائحة، طلوعًا ونزولًا عبر الجبل”.

يصف المصور رضوان الحاشدي الأهالي ممن يمرّون عبر منفذ طالوق بأنهم “كانوا يحملون الحياة” لأبناء المدينة، ويعبرون بها إلى المدينة. وأضاف: “كان طالوق شريان الحياة لمدينة تعز التي كانت تعاني الموت في تلك الفترة”.

رضوان الحاشدي: كان منفذ “طالوق” شريان الحياة الوحيد لأبناء تعز الذين كانوا يعانون الموت حينها، و”متحف الذاكرة” وثق كان الأطفال والنساء والشيوخ يستخدمون هذا الطريق ويحملون حاجياتهم على ظهورهم وظهور الحمير، في معاناة حقيقية ستظل محفورة في ذاكرتنا

وأوضح أن الصور التي شارك فيها بـ”متحف الذاكرة”، وثّقت كيف كان الأطفال والنساء والشيوخ يحملون حاجياتهم على ظهورهم وظهور الحمير. معتبرًا أن المعاناة الحقيقية ستظل محفورةً في أذهان وذاكرة جميع اليمنيين، وبالذات أهل تعز.

ولفت الحاشدي إلى جمالية أن يحتضن المتحف الوطني بتعز فعالية “متحف الذاكرة”. حيث كان محتلًا من قبل الحوثيين، وقاموا بنهبه وسرقة مقتنياته، قبل أن يتم تحريره وترميمه. كما أن الحوثيين وقبل خروجهم من المتحف أحرقوا الجزء الخاص بالمخطوطات التاريخية.

بمناسبة مرور عشر سنوات على حصار تعز، كشفت دراسة حديثة أصدرها مركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، الطبيعة الممنهجة لحصار ⁧‫تعز‬⁩ وآثاره ⁧‫الكارثية‬⁩.

و‏قال المركز، في تقريره المعنون بـ”المعنى السياسي لحصار تعز”، إن ⁧‫حصار‬⁩ الحوثيين لتعز‬⁩ لم يكن مجرد وضع ⁧‫عسكري‬⁩ عابر. ولكنه “سياسة ممنهجة” ارتقت إلى ⁧‫جريمة حرب‬⁩ استهدفت المجتمع ⁧‫المدني‬⁩ بصورة مباشرة.

المركز الأمريكي للعدالة: حصار الحوثيين لتعز لم يكن مجرد وضع عسكري عابر، بل كام “سياسة ممنهجة” ارتقت إلى جريمة حرب استهدفت المجتمع المدني بصورة مباشرة، وحاول كسر إرادة السكان في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني

وأوضح المركز أن هذه الخلاصة استندت إلى ما وثقته الدراسة، والتي كشفت كيف حوّل الحوثيون الحصار إلى أداة للعقاب ⁧‫الجماعي.‬⁩ وكسر إرادة السكان، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.

‏ووفقًا للدراسة، فإن الحصار المفروض على تعز؛ أدى إلى ⁧‫انهيار‬⁩ شامل في الخدمات الأساسية. وتسبب بحرمان مئات الآلاف من المدنيين من حقوقهم في ⁧‫الغذاء‬⁩ والدواء والمياه والتعليم والتنقل؛ ما فاقم المعاناة الإنسانية.

كما وثّقت الدراسة سقوط آلاف ⁧‫الضحايا‬⁩ قتلى وجرحى، بينهم مئات ⁧‫الأطفال‬⁩ والنساء؛ نتيجة القصف وأعمال القنص والاستهداف المباشر. بالإضافة إلى آلافٍ فقدوا حياتهم بسبب الحرمان من ⁧‫الرعاية الطبية‬⁩ والعلاج.

‏ورأت الدراسة أن الحصار لم يكن مجرد أداة عسكرية، بل وسيلةً للابتزاز ⁧ السياسي‬⁩. واستخدمته جماعة الحوثي لإخضاع المجتمع المحلي وإجباره على الاستسلام لشروطها.

سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع.

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة.

بريدنا الإلكتروني:

ليصلك كل جديد

الإعلاميون في خطر

مشاورات السلام

 

كشف التضليل

 

التحقيقات

 

التقارير

لمتابعة التفاصيل الكاملة حول متحف الذاكرة في تعز: توثيق مآسي حصار المدينة بالألوان، يمكن الرجوع إلى موقع المشاهد نت عبر رابط الخبر الموجود أسفل النص، وذلك حرصًا على وصول القارئ للمصدر الأصلي.