أم كلثوم: أسطورة الغناء العربي وثنائياتها الذهبية مع عمالقة الفن

أم كلثوم: أسطورة الغناء العربي وثنائياتها الذهبية مع عمالقة الفن

أم كلثوم، أو فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي، ليست مجرد مطربة، بل هي "كوكب الشرق" و**"سيدة الغناء العربي"**، وظاهرة فنية وسياسية واجتماعية لم ولن تتكرر في تاريخ الموسيقى العربية. صوتها الذي استمر لأكثر من نصف قرن، كان يجمع الملايين في الوطن العربي كل أول خميس من كل شهر، محولًا الغناء إلى طقس مقدس وحالة من الوجد الروحي والوطني.

هذا التقرير يستعرض سيرة هذه الأسطورة، من نشأتها المتواضعة إلى قمة الهرم الغنائي، مرورًا بأبرز محطاتها الفنية وأغانيها الخالدة التي شكلت الوجدان العربي.

 النشأة في طماي الزهايرة: من الإنشاد الديني إلى الشهرة

ولدت أم كلثوم (تاريخ ميلادها الرسمي هو 31 ديسمبر 1898، وتوفيت في 3 فبراير 1975) في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية في مصر.

البداية مع الإنشاد: كان والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي يعمل مؤذنًا ومنشدًا في الموالد والأفراح. أدرك والدها موهبة ابنته الفريدة مبكرًا، فضمها إلى فرقة الإنشاد الديني التي أسسها، وكانت لا تتجاوز سن السادسة.

حفظ القرآن: تأثرت أم كلثوم بنشأتها الدينية، حيث حفظت القرآن الكريم في الكتّاب، وهو ما انعكس على فصاحتها اللغوية وقدرتها على إتقان أداء القصائد الفصيحة، ما منح صوتها جلالًا وقوة.

انتقال إلى القاهرة (1922): بعد أن ذاع صيتها في القرى المجاورة، انتقلت أم كلثوم إلى القاهرة. واجهت في البداية تحديات كبيرة لتركيزها على الإنشاد، لكن انبهار النخب الثقافية والفنية بصوتها كان الدافع لتثبيت أقدامها.

 مرحلة التأسيس والصعود (العشرينات والثلاثينات)

بدأت أم كلثوم مسيرتها الاحترافية الفعلية في القاهرة في منتصف العشرينات، وكانت مرحلة تثبيت أقدام وتميز بالتعاون مع ثلاثة صاغة أساسيين للنغم:

أبو العلا محمد: أول من لحن لها، وغنت له قصيدة "الصب تفضحه عيونه" عام 1924.

محمد القصبجي: قاد التخت الموسيقي الخاص بها، وقدم لها ألحانًا مهمة مثل "قال إيه حلف ما يكلمنيش" عام 1926.

أحمد صبري النجريدي: تعاونت معه في قصائد مثل "خايف يكون حبك".

كانت ألحان هؤلاء الثلاثة سببًا لتعرفها على الشاعر العظيم أحمد رامي، الذي أصبح شاعرها الخاص وملهمها، حيث كتب لها أكثر من 100 أغنية على مدار مسيرتها الطويلة.

ذروة المجد والتعاونات الذهبية

شهدت العقود اللاحقة قمة تألق أم كلثوم، خاصة بعد مرحلة التجديد التي بدأت مع ظهور الإذاعة والسينما، والتعاون مع عمالقة التلحين.

 ثنائية القمة (الستينيات وما بعدها):

بعد منافسة طويلة، التقت أم كلثوم بالعملاق محمد عبد الوهاب في الستينيات في تعاون وُصف بـ "قمة جبلين" بعد وساطة من الرئيس جمال عبد الناصر. أسفر هذا التعاون عن روائع خالدة:

"أنت عمري" (1964): بداية التعاون الذهبي.

"أمل حياتي" (1965).

"فكروني" (1966).

"ألف ليلة وليلة" (1969).

كما شكلت ثنائيات ناجحة مع:

رياض السنباطي: الذي قدم لها أروع القصائد مثل "الأطلال" و**"رباعيات الخيام"** و**"أراك عصي الدمع"** و**"ودارت الأيام"**.

بليغ حمدي: الذي لحن لها روائع مثل "حب إيه" و**"بعيد عنك"**.

صوت مصر: دورها الوطني والقومي

لم يكن صوت أم كلثوم مقتصرًا على الحب والعواطف، بل كان له دور قومي ووطني لا يُنسى، خاصة بعد هزيمة 1967 (النكسة).

حفلات المجهود الحربي: بعد النكسة، جابت أم كلثوم العالم العربي وأوروبا في جولات غنائية تبرعت بإيراداتها الضخمة لإعادة بناء الجيش المصري، مساهمة بذلك في التعبير الحقيقي عن فكرة الوحدة العربية التي كانت سائدة.

الأغاني الوطنية: قدمت أغاني وطنية خالدة، مثل "أصبح عندي الآن بندقية" و**"والله زمان يا سلاحي"** و**"إلى فلسطين خذوني"**، مما عزز مكانتها كـ "صوت الأمة" والقضية.

الظاهرة الكلثومية: تحليل فني

صوت أم كلثوم ليس مجرد جمال، بل هو ظاهرة صوتية فريدة من نوعها:

المدى الصوتي: كانت تمتلك مدى صوتي واسعًا يمتد إلى ثلاثة أوكتافات، مع قدرة استثنائية على التنقل بين الطبقات بسلاسة دون فقدان الرنين.

الرنين والفورمانت: أظهر صوتها رنينًا قويًا في الفورمانت الغنائي، وهي خاصية تسمح لصوتها بالوضوح فوق الأوركسترا دون الحاجة إلى تضخيم إلكتروني (وهو ما يفسر قوتها في الحفلات المباشرة).

التفرد في الأداء: تميزت بالقدرة على ربط الارتجال الموسيقي (العرب الصوتية) بعمق معاني الكلمات، مما جعل الشعر محسوسًا بشدة لدى المستمعين، وهو ما دفع الأديب عباس محمود العقاد للقول: "لقد أثبتت أن الغناء هو فن عقول وقلوب، وليس فن حناجر وأفواه فحسب".

 الإرث والخلود

تركت أم كلثوم إرثًا فنيًا ضخمًا يضم حوالي 320 أغنية، وتوفيقت في 3 فبراير 1975 تاركةً وراءها فراغًا لم يملأه أحد. لا يزال صوتها مسموعًا يوميًا في كل زاوية من العالم العربي، سواء في المقاهي أو في البيوت أو عبر منصات البث الحديثة، ما يؤكد خلودها كـ "صوت مصر" وزعيمة الطرب التي لا يجود الزمان بمثلها.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا

لمتابعة التفاصيل الكاملة حول أم كلثوم: أسطورة الغناء العربي وثنائياتها الذهبية مع عمالقة الفن، يمكن الرجوع إلى موقع متن نيوز عبر رابط الخبر الموجود أسفل النص، وذلك حرصًا على وصول القارئ للمصدر الأصلي.