بور: وجهة سياحية دينية تجمع بين قبور الأنبياء والتاريخ العريق
مسعود عمشوش
إذا كنت اليوم تفكر في الاستثمار في مجال السياحة الدينية فما عليك إلا أن تشد الرحال إلى بور وتشيّد فيها فندقا أو شاليهات. فهذا المركز التابع لمديرية سيؤن يضم مثلثا مهما يقع في زواياه الثلاث: قبر النبي حنظلة وقبر أحمد بن عيسى المهاجر وقبر سلطانة بنت علي الزبيدي. ولا أزال أذكر كيف أن السيد عمر بن طه السقاف كان ينظّم لجداتنا وأمهاتنا وأخواتنا زيارة ثلاثية، يقمن خلالها بزيارة قبر سلطانة بنت علي الزبيدي ثم شعب أحمد لزيارة قبر أحمد بن عيسى المهاجر، وأخيرا قبر النبي حنظلة غربي بور، ويطفن حوله سبع مرات على الرغم من أن طوله يزيد عن عشرة أمتار. اللهم تقبل.
وبور التي تقع إلى الشرق من سيؤن بحضرموت، وتبعد عنها حوالي 15 كيلومترا فقط، كانت إحدى أهم حواضر حضرموت؛ وتُعد من أقدم المناطق فيها، وقد سكنها وحكمها بنو الحارث بن الأشرس في العصور القديمة. وكانت تُعرف في تلك العصور باسم "الرس" نسبةً إلى القوم والنهر اللذين يحملان الاسم نفسه.
وبما أن بور كانت سوقاً تجاريا وممرا لطرق القوافل التجارية ما بين مدن تريم وسيؤن وشبام فقد ظلت منذ القدم محل صراع عنيف بين عدة أطراف قبلية؛ ففي (تاريخ حضرموت) ذكر شمبل أنه "في سنة 601 إحدى وستمائة من الهجرة اقتسمت نهد السليل واختص بنو ظنة ببور، وتوزعت مناطق وقرى أخرى لقبائل أخرى وهذا حدث بعد غزو الأمير عمر بن مهدي لحضرموت وقد دعمته نهد في غزوه ثم قتلته [بشحوح سنة 621 هجرية] في كثير من أصحابه واستولوا على تريم وشبام وسائر حضرموت".
وعلى الرغم من ذلك فقد ظلت بور عاصمة لإمارة آل بانجار، وظلت تقاوم السقوط في يد آل كثير الذين ظهر مشروع دولتهم بعد مقتل السلطان سالم بن إدريس الحبوظي، وأخذوا يستولون على بعض قرى السرير. لكن في سنة 816 هـ تمكن السلطان علي بن عمر الكثيري من الاستيلاء عليها وجعلها عاصمة له وشيد بها الحصون والقلاع وضم لها قرية الحسيسة في الضفة الجنوبية من الوادي. ومن بور أنطلق غربا باتجاه شبام التي تقاسمها مع آل عامر بن نهد. وفي سنة826ه انفرد بحكم شبام وظلت بور العاصمة الكثيرية حتى بعد أن سيطر بعده ابنه عبدالله بن علي على مدينة سيؤن.
وكتب المؤرخ محمد بن عبد القادر الصبان في كتابه (تعريفات سياحية): "شهدت بور ملوك كندة فإمارة آل بانجار وإمارة آل الجرو. وقد كانت عاصمة الوادي في فترات من الزمن وكانت سيئون تابعة لبور وقرية من قرى بور. كذلك فإن بور قريبة من قارة (بني جشير) القارة ذكر المؤرخون أنها لقوم من كندة وبها بئر في أعلى المدينة قيل إن علوي بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى المهاجر حفرها في القرن الرابع الهجري وظفرها بحجارة وكتب اسمه على كل حجارة من الجبل ويقال لها الآن" بئر الأعمش".
ويذكر ابن عبيد الله أنه لما ضعف أمر آل كثير ببور واشتدت الفوضوية فيها وفي أعمالها استقدم سكان بور وفي مقدمتهم آل باجري الحبيب أحمد بن علوي العيدروس وجعلوه منصباً على بور. وخلفه في المنصبة ابنه علوي ثم ابنه عبد الله بن علوي المتوفي ببور سنة 1145هـ. ولا يزال آل عيدروس يحظون بمكانة طيبة في بور.
واليوم تنقسم بور إلى عدة أحياء منها: البلاد، والعرض: وتقع باتجاه الشمال من ناحية البلاد ومنها الطريق المؤدي إلى بئر المديني ومقيبل والشعب، وسحيل عبد الله: وتقع إلى الشرق من بئر المديني وطريقها من بئر المديني، والرييدة: وتقع إلى الشمال الغربي من البلاد ولها طريق من شاقح وطريق آخر من الشعب. والرحيه: وهي إلى الغرب من شاقح ومنها طريق تؤدي إلى الرييدة، والشعب: وهي المنطقة الجديدة.
وقد استطرد ابن عبيد الله في كتابه (إدام القوت) في الحديث عن كل واحد من أجزاء بور، ونكتفي هنا بذكر ما قاله عن قبر النبي حنظلة، فقد كتب: "في غربيّ الحاوي بحضيض الجبل الغربيّ قبر يقال إنّه قبر نبيّ الله حنظلة بن صفوان، وقد دلّلت على تصديق كونه بحضرموت في «الأصل» بجملة من الأدّلة :
ـ منها: أنّ الله تعالى قرن قومه ـ وهم أصحاب الرّسّ ـ بعاد وثمود في سياقة واحدة، حيث يقول في آية الفرقان (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ) وقد قال بدلالة الاقتران جماعة من أهل العلم؛ كالمزنيّ وابن أبي هريرة من الشّافعيّة، وأبي يوسف من الحنفيّة، وغيرهم.
ـ ومنها : قول صاحب «خريدة العجائب»: (إنّ حضرموت تقع شرقيّ اليمن، وإنّ بها بلاد أصحاب الرّسّ).
ـ ومنها: قول البكريّ في «معجمه» [٢ / ٦٥٢]: (والرّسّ المذكور في التّنزيل بناحية صيهد، وانظره في رسم صيهد). ولكنّ المجلّد الّذي فيه (صيهد) منه لم يكن عندي.
وقال الهمدانيّ في الجزء الأوّل من «الإكليل» [١ / ١٩٣ ـ ١٩٤]: (وولد الحارث بن قحطان بن هود بطنا يقال لهم: الأقيون، دخلوا في حمير، وهم رهط حنظلة بن صفوان، ووجد في قبره لوح مكتوب فيه: أنا حنظلة بن صفوان، أنا رسول الله، بعثني إلى حمير وهمدان والعريب من أهل اليمن، فكذّبوني وقتلوني، فمن يرى هذا الخبر .. يرى أنّه بعث إلى سبأ بمأرب، فلمّا كذّبوه.. أرسل الله عليهم سيل العرم)
ثمّ قال: قال ابن هشام: هو حنظلة بن صفوان من الأقيون بني الرّسّ. والرّسّ مدينة بناحية صيهد، وهي بلدة محترقة ما بين بيحان ومأرب والجوف فنجران فالعقيق فالدّهناء فراجعا إلى حضرموت". ص676-677
وكتب المؤرخ محمد بن علي زاكن باحنان في باب أسماه (الأنبياء والرسل بالأحقاف: قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين في حضرموت)، ضمنه كتابه (الاتحاف، مقدمة تاريخ الاحقاف 83-4): "ذكر سيدنا وشيخنا الإمام أحمد بن حسن بن عبد الله العطاس العلوي في كلامه المنثور ما نصه، قال: "أخبرني بعض السادة من علماء دلي أن بالهند تاريخا كبيرا ذُكِر فيه أن في حضرموت من الأنبياء خمسة وثلاثين نبيا؛ فمنهم سيدنا هود، وولده هادون، ونبي الله صالح بوادي سر، ونبي الله رخيم بوادي عمد، واثنان بشرج فيل، واثنان بوادي حموضة ووادي النبي-وهما أعلى دوعن-، ومولى مطر وحنظل وحنظلة ببور، وسيأتي عن ابن كثير، محمد بن اسحق عن وهب بن منبه أن الله أرسل إلى أهل سبأ ثلاثة عشر نبيا، وزعم السدي أنه أرسِل إليهم عشرة ألف نبي والله أعلم. قلت: وبتريم قبر نبي الله جرجيس وهو معروف عند أهلها، وبجانبه المسجد المعروف عند أهل تريم بسرجيس بإبدال الجيم الأولى سينا مهملة. أما اللذان بشرج فيل فأهلها ومن يقرب منهم يدعون أن أحدهما شيتا والآخر تبعا، وقد زرتهما مرارا كثيرة كهود وهادون، وصالح عليهم السلام، أما نبي الله هود عليه السلام فقد زرته أكثر من أربعين مرة". ما شاء الله تبارك الله
ومثل معظم مدن وادي حضرموت القديمة التي تم تشييد قصورها وحصونها ومساجدها بالطين والتبن، فقدت بور معظم معالمها القديمة، إذ تهدمت معظم تلك المعالم بعد أن أصبحت ضمن ما أطلق عليه الحضارم: العاديات أو المحترقة. وفي الفترات السابقة، التي لم يكن هناك وود للسماد الكيميائي قام المزارعون باستخدام بقايا تلك المعالم أو العاديات كسماد. وبور كانت أكبر المناطق التي تحولت معظم منازلها وحصونها ومساجدها القديمة إلى (عاديات) ثم سماد.
ومن المساجد القليلة التي تم الحفاظ عليها في بور مسجد الجامع الذي تمت صيانته وأصبح كم أهم معالم المدينة. وكذلك مسجد علوي بن عبيداللاه.
لمتابعة التفاصيل الكاملة حول بور: وجهة سياحية دينية تجمع بين قبور الأنبياء والتاريخ العريق، يمكن الرجوع إلى موقع موقع الأول عبر رابط الخبر الموجود أسفل النص، وذلك حرصًا على وصول القارئ للمصدر الأصلي.